بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ فهو الله الذى في السماء مستوٍ على عرشه وبائنٌ عن خلقه وعالمٌ بخلقه لماذا ندرس العقيدة ولماذا هذا الاهتمام بها ..اسئله يجيب عليها الشيخ الفوزان حفظه الله
(اهمية دراسة العقيده)
لماذا يهتمُّ كثيرٌ من المسلمين بعلم العقيدة، وما المقصود بالعقيدة والإيمان والتوحيد؟ وهل هناك فرق بين هذه المصطلحات؟ وما رأيكم فيمن يقول: إنَّ بعض أمور العقيدة وموضوعاتها قد انتهى ومضى زمنها، وبالتَّالي لا جدوى من تعميم دراستها؟
يهتمُّ الموفَّقون من المسلمين بعلم العقيدة اقتداء بالرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ حيث كانوا يبدؤون دعوتهم بتصحيح العقيدة؛ لأنها هي الأساس الذي يُبنى عليه سائر الأعمال؛ فإذا صحَّتِ العقيدةُ؛ صحَّتِ الأعمال الشرعيَّةُ، وما لم تصحَّ العقيدةُ؛ لم تصحَّ الأعمال.
قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65.].
وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88.].
والمقصود بالعقيدة والإيمان والتَّوحيد شيء واحد؛ من حيث إنَّها عمل قلبيٌّ، ويزيد الإيمان باقترانه مع ذلك - أي: كونه اعتقادًا بالقلب - أنه أيضًا قولٌ باللسان وعمل بالجوارح.
وجميع أمور العقيدة وموضوعاتها لابدَّ من معرفتها والعناية بها في كل زمان ومكان، ولا ينتهي العمل بها إلى أن تقوم السَّاعة.
والذي يرى أنَّ بعض أمور العقيدة ومواضيعها قد انتهى وقتُها؛ لا يخلو:
إمَّا أن يكون جاهلاً لا يعرف مواضيع العقيدة وأهمِّيَّتها.
وإمَّا أن يكون عنده خلل في عقيدته، ويريد التستُّر على هذا الخلل؛ لئلا ينكشف.
كالذين يقولون: اتركوا الكلام في موضوع توحيد الألوهيَّةِ؛ لأنَّ هذا يفرِّقُ بين المسلمين، واكتفوا بالكلام في توحيد الرُّبوبيَّة، وإثبات وجود الله، والرَّدِّ على الملاحدة والشُّوعيِّيين، ولا تتعرَّضوا لعبَّاد القبور والأضرحة!
وكالذي يقول: اتركوا الكلام في موضوع إثبات الأسماء والصِّفات والرَّدِّ على ما من يتعرَّض لها بنفي أو تأويل... إلى غير ذلك.
وكلُّ هذا كلام باطل لابدَّ من كشف زيفِهِ وبيان مغزاه وتعرية مضمونه الباطل وما ينطوي عليه من سوء معتقد! والرَّسول صلى الله عليه وسلم جاء ببيان العقيدة للناس، وبيان ما يفسدها قبل كل شيء، وكثير من آيات القرآن وسوره في توضيح هذا الأمر ووجوب بيانه للناس؛ فهل يريد هؤلاء منَّا أن نترُك القرآن وما فيه من بيان العقيدة ؟!!
هناك من يزهد في دروس العقيدة، ويقول: نحن مسلمون ولسنا بكفرة أو مشركين حتى نتعلم العقيدة أو ندرسها في المساجد. فما توجيه فضيلتكم حيال هذا؟
ليس معنى تدريس العقيدة وتعليم العقيدة أننا نحكم على الناس أنهم كفَّار، نحن ندرسها للمسلمين والموحدين من أجل أن يعرفوها تمامًا ويعرفوا ما يناقضا ويعرفوا ما يضادها.
وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه صحابي جليل يقول: (كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن أقع فيه) [رواه الإمام البخاري في صحيحه (4/178) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.].
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية".
فنحن إذا درسنا العقيدة ليس معناه أننا نحكم على الناس بالكفر، لا بل معناه أننا نريد أن نعرف العقيدة الصحيحة حتى نتمسك بها ونعرف ما يضادها حتى نتجنبها.
الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19.]؛ فلا بد أن الإنسان يتعلم ولا يكتفي أنه يقول: إنني أنا مسلم! أنت مسلم والحمد لله؛ لكن لو سألناك: ما هو الإسلام؟ أو قلنا لك: عرِّف لنا الإسلام؟ فالكثيرون لا يستطيعون أن يُعرِّفوا الإسلام تعريفًا صحيحًا. ولو قلت: بين لي نواقض الإسلام؟ فالكثيرون لا يعرفون نواقض الإسلام، وإذا جهلها؛ يوشك أن يقع فيها وهو لا يدري. ولو قلت: بيِّن لي أركان الإسلام، أو: بيِّن لي أركان الإيمان التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم واشرحها لي. لوجدنا الكثيرين لا يعرفون ذلك.
كيف تقول: إنك مسلم وأنت لا تعرف هذه الأمور؟
بل إن الكثير من الدعاة لا يعرفون شروط الصلاة، ولا يعرفون أحكام الوضوء، ولا يعرفون نواقض الوضوء، ولا يعرفون أركان الصلاة، وواجبات الصلاة، ولا يعرفون مبطلات الصلاة، أين هؤلاء من الإسلام؟!
الإسلام ليس دعوى فقط، الإسلام حقيقة ومعرفة... لا بد من المعرفة والعلم والبصيرة؛ لأن الذي لا يعلم يقع في الخطر وهو لا يدري، مثل الجاهل الذي يسير في طريق لا يعرفه، وهذا الطريق فيه حفر وفيه أعداء وسباع؛ يقع في الخطر وهو لا يدري.
فلا بد من تعلُّم التوحيد؛ لأن التوحيد هو الأساس، ولا يزهد في تعلم التوحيد إلا أحد رجلين: إما جاهل، والجاهل لا عبرة به، وإما مغرض مُضِل يريد أن يصرف الناس عن عقيدة التوحيد، ويريد أن يسدل الغطاء على عقائد المنحرفين الذين ينتسبون إلى الإسلام وعقائدهم فاسدة، يريد أن يرُخي الستار عليها، ولا ينكر عليها، ويدخلوا مع الناس، ويتزعموا الناس، وهم أصحاب عقائد منحرفة. هذا يمكن يريده كثير من هؤلاء.
والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122.]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِد الله به خيرًا؛ يُفَقِّههُ في الدِّين) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (1/25، 26) من حديث معاوية رضي الله عنه.]؛ فمفهوم الحديث أن الذين لا يريد الله به خيرًا لا يفقهه في الدين؛ فهذا الذي يقول: لا تتعلموا العقيدة! يقول: لا تتفقهوا في الدين! وهذا إما جهل وإما تضليل.
ـ كيف تنعكس العقيدة على حياة المسلم وتصرُّفاته؟
كما أشرنا؛ إذا صحَّت العقيدة؛ صحَّت أعمال المسلم؛ لأنَّ العقيدة الصحيحة تحمل المسلم على الأعمال الصَّالحة، وتوجِّهه إلى الخير والأفعال الحميدة، وإنه إذا شهد أن لا إله إلا الله شهادة مبنيَّة على علم ويقين ومعرفة لمدلولها؛ توجه إلى الأعمال الصَّالحة؛ لأنَّ شهادة أن لا إله إلا الله ليست مجرَّد لفظ يقال باللسان، بل هي إعلان للاعتقاد والعمل، ولا تصحُّ هذه الشَّهادة، ولا تنفع؛ إلا إذا قام بمُقتضاها من الأعمال الصَّالحة، فأدَّى أركان الإسلام وأركان الإيمان وما زاد على ذلك من أوامر الدِّين وشرائعه وسننه ومكمِّلاته.
هناك من يتساهل في أهمِّيَّة العقيدة، ويرى أن الإيمان يكفي؛ هل لكم في بيان أهمِّيَّة العقيدة للمسلم، وكيف تنعكس عليه في حياته وفي علاقاته مع نفسه ومجتمعه ومع غيره المسلمين؟
إنَّ تصحيح العقيدة هو الأصل؛ لأنَّ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله هي أوَّل أركان الإسلام، والرُّسل أول ما تدعوا الأمم إلى تصحيح العقيدة؛ لأجل أن تنبني عليها سائر الأعمال من العبادات والتّصرُّفات، ودون تصحيح العقيدة لا فائدة من الأعمال.
قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88.]؛ أي: لبطلت أعمالُهم.
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72.].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65.].
من هذه النُّصوص وغيرها يتبيَّنُ ما لتصحيح العقيدة من أهميَّة، وهي أول أوَّليات الدَّعوة، وأوَّل ما تقوم الدَّعوة على تصحيح العقيدة؛ فقد مكث النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مكة بعد بعثته ثلاث عشرة سنة؛ يدعو الناس إلى تصحيح العقيدة، وإلى التَّوحيد، ولم تُنزَل عليه الفرائض إلا في المدينة، نعم؛ فُرِضَت الصلاة عليه في مكة قبل الهجرة، وبقيَّة الشَّرائع إنما فُرِضَت عليه بعد الهجرة، ممَّا يدلُّ على أنه لا يطالَبُ بالأعمال إلا بعد تصحيح العقيدة.
وهذا الذي يقول: إنه يكفي الإيمان دون الاهتمام بالعقيدة! هذا تناقض؛ لأنَّ الإيمان لا يكون إيمانًا إلا إذا صحَّتِ العقيدة، أمَّا إذا لم تكن العقيدة صحيحةً؛ فليس هناك إيمانٌ ولا دينٌ.
ما الواجب على المسلم أن يعرفه من دينه عقيدة وشريعة؟
يجب على المسلم أن يعرف جميع أمور دينه عقيدة وشريعة؛ بأن يتعلَّم أمور العقيدة، وما يجب لها، وما يضادُّها، وما يكمِّلُها، وما يُنقِصُها، حتى تكون عقيدته عقيدة صحيحة سليمة، ويجب عليه كذلك أن يتعلَّم أحكام دينه العمليَّة، حتى يؤدِّي ما أوجبه الله عليه، ويترك ما حرَّمَ الله عليه على بصيرة.
قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19.]؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
فلا بدَّ من العلم والعمل؛ فالعلم بدون عمل لا يكفي، وإنما يكون مغضوبًا على صاحبه، ويكون حجَّةً على الإنسان، والعمل بدون علم لا يصحُّ؛ لأنه ضلال، وقد أمرنا الله أن نستعيذ من طريق المغضوب عليهم والضَّالين في آخر سورة الفاتحة في كلِّ ركعةٍ من صلاتنا.
ما هي أفضل الكتب وأسهلها والتي أُلِّفَت في العقيدة؟
الكتب التي أُلِّفَت في بيان العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة كتب كثيرة والحمد لله، منها المختصر ومنها المطوَّلُ، ومن أخصرها وأسهلها: رسالة "ثلاثة الأصول"، ورسالة "كشف الشُّبهات"، وكتاب "التَّوحيد الذي هو حقُّ الله على العبيد"، وكلُّها لشيخ الإسلام الإمام المجدِّد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وشروح كتاب "التوحيد"؛ مثلُ "فتح المجيد"، و"قرة عيون الموحِّدين"؛ كلاهما للشَّيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله، وغيرهما، ومن الكتب السهلة المختصرة في العقيدة: "العقيدة الواسطيَّة" لشيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله، وكتاب "شرح الطَّحاوية" للعزِّ بن أبي العزِّ الحنفي، وكذا قسم العقيدة من "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميَّة"، ومجموعُ فتاوى ورسائل علماء نجد المسمَّى بـ"الدُّرر السّنّيَّة" جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، وكتاب "إغاثة اللَّهفان" للإمام ابن القيِّم، و"المنظومة النُّونيَّةُ" له، وكتاب "الصواعق المرسلة على الجهميَّة والمعطِّلة" له أيضًا.
المنتقى من فتاوي الفوزان المجلد الاول